في ذكرى مقتلة المتين 1976



مع حريق هذا البيت عام 1976 ضاع جزء اساسي من تاريخ المتين ولبنان


في ذكرى مقتلة المتين 22 آذار 1976

تلافي الشّر  أو فلسفة الإتقاء

"

 قتل من النصارى في قلاقل 1860 ما قدر بأحد عشر الفا"، وهلك من الجوع أربعة آلاف ، وتشرد نحو مئة ألف. وبمذبحة دير القمر انطوى وجه العنف من تلك القلاقل". (1) ما جرى لم يكن "قلاقل" فالقلاقل  قلق وقيل وقال أما ما جرى فكان مجازر على وقع "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة". من اين اتى الصليبي بكلمة قلاقل؟. لا يشير المؤرخ  الى مصدر معلوماته ، إن الكثيرين ممن  كانوا  قريبين من تلك الفترة والذين شاهدوا  وكتبوا ، استعملوا هذا التعبير وهو قطعا ليس من عنديات كمال الصليبي. غير أن بعض  من عاصر وكتب  ومهما عظم شأنه وطال باعه فقد تعاطى مع  الظرف بحسب قربه منه أو بعده  عنه في الزمان والمكان والموقف السياسي. ولكي نبقى في حدود الموضوعية نقول أن معنى كلمة قلاقل قد تدرّج  ربما في الزمن ففقد بعضا من مدلولاته 

لقد روى الرواة ان قنصل بريطانيا قدر ان اكثر من 30 ألف  قطعة سلاح  بيعت بين سنة 1855 وحوادث الستين. سنة 1855 وحدها بيع 14325 بندقية بلجيكية  والفت اخويات من الشباب برز من شيوخ الشباب فيها يوسف ناصيف من جزين ويوسف الشنتيري من بكفيا" . ويقول حسين غضبان  بو شقرا  في مشاهداته انه من المضحك ما يروى عن رجل من بكاسين  يدعى مارون لبس كان يهزأ من شيوخ الشباب  في قرى جزين ويقول لهم: " بمن تحاربون الدروز وتغلبونهم، أبجرمانوس  وقرياقوس وأندريا ومتى؟ فهم يأتونكم  بدعاس وغلاب وكساب وسيف الدين ونصر الدين... وكانوا كلما سمعوه شتموه! (2)

اندلع القتال في آب 1859 على اثر حادث سير وقع في بيت مري  بين دابة يسوقها ولد درزي ودابة اخرى يسوقها ولد مسيحي . وعلى إثر هذا الحادث سقط 18 قتيلا درزيا و11 مسيحيا فعركت!.....  شن عسكر النصارى في بعبدات والشوير وبكفيا  وبيت شباب غارة على الدروز في صليما وكفرسلوان  والمتين، نزل الى الميدان خطار بيك العماد وولده علي فاشتعلت في ضهر البيدر وصار كر وفر في شتورا والجوار واحرقت منازل وكنائس في برمانا.


اقفل سعيد بيك جنبلاط هذا الملف فدفع 33 الف قرش من جيبه تعويضا  للنصارى المندحرين(3) ووقع المجتمعون من كل الأطراف في حمانا هدنة سميت بهدنة الحرير وساد هدوء قيل انه حَذِرٌ بلغة اليوم. لكن القتال عاد فاندلع من جديد  في السنة التالية . ذبحت دير القمر واحرقت زحلة وتصاعد الدخان الأسود من الدساكر والمزارع  والبلدات والمدن من جزين جنوبا الى مشارف البلدات المتنية المختلطة  على المقلبين  الجنوبي و الشمالي  من وادي الجعمانة. (4)

في تموز 1861 عاد الى  المتين من كان قد أخلاها  تجنبا لخلاف كاد أن يقود الى اقتتال في بلدة يقول الجميع انها عزيزة على الجميع. غير ان دروز المتين  يوم غادروا في حزيران 1860 الى كفرسلوان وحوران  كانوا قد ودّعوا  الشيخ عقل شديد  شيخ قرية المتين وخوارنة بيت بو سليمان المتيّمين بكنيستهم الجديدة وقد انتهوا من عقد سقفها  سنة 1858 ، كما ودعوا الخوري أنطون النجار المستمر ومنذ 1835  خادما على رعية مارجرجس . قزُّ الدروز  على الشيح،  قمحهم  ينتظر الحصاد ودّعوا واستودعوا رزقهم وغادروا.

مرت شهور وكأن دروز المتين لا يزالون على  قادومياتها وبين اهلهم فيها. شال  بيت عازار الكاثوليك  قزهم وحصدوا  قمحهم ولما جاء أيلول  قطف عنبهم  بيت حنكش  وادار  بيت مجاهد معاصرهم . هل رأى بو حسين الحلبي من فوق شيرالنوطره في كفرسلوان الجمر نارا  تحت خلاقين الدبس؟    بو حسين وسلمان القنطار كانا هناك في عشايا نهاية أيلول من تلك السنة المشؤومة  سنة 1860.

وتتابع  الحكاية التي قصها علي رشيد أنطون  النجار والتي أعادها  هي ذاتها على مسمعي نسيب الحلبي دون  خلل  في المضمون  ، تقول انهم عادوا من منافيهم الإختيارية  فلاقوا صررا صررا تحوي  أثمان غلاتهم جمعت بالبشلك والريال المجيدي و"العثمليات" الذهبية
(5) أعدَّها آل عقل  شديد و عدّها خوارنة ذلك الزمان.

(1) كمال الصليبي ، تاريخ لبنان الحديث ،دار النهار للنشر ص. 143.
(2) يوسف خطارأبو شقرا، الحركات في لبنان الى عهد المتصرفية، ص 104
(3) يوسف خطارأبو شقرا، الحركات في لبنان الى عهد المتصرفية،  ص  109 101.

(4) فواز طرابلسي، حريروحديد من جبل لبنان الى قناة السويس، رياض الريس للكتب والنشر 2013.
(5) العملة المتداولة في السلطنة خلال المرحلة ذاتها.

شربل نجار - من كتاب كهنة لكنيسة وكنيسة للناس

Latest Comments


Post a Comment

Name *
Email
Comment *