هكذا تحدّث الدكتور جوزف عون عن كتابه "الكاتب المسرحي التراثي الخوري يوسف أبو سليمان"، الصادر عن منشورات جامعة الروح القدس - الكسليك. وأضاف: "نحن في لبنان أمام تُراث فكري وفنّي رائع، أمضى صانعوه أيّامهم ولياليهم الطوال وهم يُشيِّدونه حجراً فوق حجر من دون مساعدة أحد، وتلقّوا أحياناً من الحُكّام الجَهَلة والطغاة (مثلما حدث في العهد العثماني) اللامبالاة والتنكيل والاضطهاد، إضافة إلى عدم اهتمام الأغنياء بالفنّ المسرحي. لذلك، بقيَ هؤلاء الكتّاب الفدائيّين يشقّون طريقهم الإبداعي وسط المتاعب والفقر المادّي".
ويتابع عون: "ومن بين هؤلاء الكُتّاب، نجد الكاتب المسرحي المُخضرَم يوسف أبو سليمان، فهو من مواليد بلدة المتين سنة 1870، ويُعتبَر مُخضرماً لأنّه عاصر عُهود المتصرّفين الثمانية الأوائل وعاصر الانتداب الفرنسي فهو توفّي سنة 1936، وجمعت حياته بين قرنَين: التاسع عشر والعشرين.
وضَعَ الخوري مسرحيّتي "وديعة الإيمان في ضواحي لبنان" و"أبد ألونيم ملك صيدون"، فكانت الأولى عام 1899، والثانية عام 1901، والمسرحيّتان من نوع الدراما التاريخية النثرية الشعرية، مع اتّخاذ الأولى الصبغة الدينيّة المُلحَقة بالتاريخ، وقد أهداها إلى البطريرك مار الياس بطرس الحويك لمُناسبة تبوُّئه سُّدة البطريركيّة المارونيّة، مُتوجِّهاً إليه ببيتين من الشعر: مَن يثق الله يُحمَد في عواقبه / ويَكْفِه شرَّ من عَزُّوا ومن هانوا / فاشدُد يدَيك بحبلِ الله مُعتصماً / فإنّه الركنُ إن خانَتك أركانُ".
تجري أحداث مسرحيّة "وديعة الإيمان" إبّان حُكم يوستينيانوس الثاني في القسطنطينيّة، عندما تحالَف مع عبد الملك بن مروان لطَرد الموارنة من جبلهم. وجرَت أحداث المسرحيّة الثانية "أبد ألونيم ملك صيدون" أيّام فتح الإسكندر لآسيا الصُغرى وعلاقته مع ملك صيدون أبد ألونيم.
ويُضيف عون: "تتميَّز مسرحيّات الخوري أبو سليمان باتّباعها حوارات تقترب من اللهجة التاريخيّة من غير تلعثُم أو تكرار يخرج عن الفكرة المطروحة، وأعدَّ الكاتب حواراته بأسلوب جاهز للتعبير عن مواقف الشخصيّات وطبيعتهم الخاصّة بكل منهم. ولم تفتقر حواراته إلى حيويّة الأسلوب، وكانت هذه الحوارات تبدأ عاديّة ثم تتأثّر بتطوّر المواقف المسرحيّة والفعل الدرامي، فتُعبِّر عن التوتّر والتأزُّم في مُختلف درجاتهما".
يختم عون قائلاً: "كان أبو سليمان يستهدف تلقين الناس محبّة الفضيلة والنفور من الشرّ، وغَرْس العواطف الشريفة في النفوس، وتثقيف طلّابه وبعض المسؤولين الحكوميّين... وأراد لمسرحيَّته أن تُفكِّه العقول وتُذكّي الخواطر وتكشف النقاب عن حقائق الأمور".
المؤلف
جوزف جرجس عون من مواليد قيتولي قضاء جزّين، حائز ماجستير في اللغة العربية وآدابها - الجامعة اللبنانية، دكتوراه حلقة ثالثة في الآداب من جامعة بوردو الثالثة فرنسا، دكتوراه دولة في اللغة العربية من كليّة الآداب في الجامعة اللبنانية، دراسات معمّقة - حلقة ثانية من جامعة الروح القدس - الكسليك. مارسَ التعليم في الجامعة اللبنانية - كلّية التربية، وله أبحاثٌ وكتابات أدبيّة ومسرحيّة وروحيّة وثقافيّة، وترجمات في علوم المسرح والتاريخ.