.jpg)
خمسين عاماً على شرعنة وجود مشيختي عقل عند طائفة الموحدين الدروز، صدر في عام 2006 قانون لتنظيم شؤون الطائفة يقول بوجود شيخ عقل واحد. الخلاف السياسي منع التوحيد. اليوم يطرح طلال أرسلان مبادرة للحلّ ووليد جنبلاط مستعد ثائر غندور منذ أيام قليلة زار النائب طلال أرسلان شيخ عقل الموحّدين الدروز المعيّن نصر الدين الغريب، وقال من دارته في كفرمتى «لا يجوز إطلاقاً أن يبقى الخلاف قائماً على مسألة مشيخة العقل والأوقاف والمجلس المذهبي. نحن في أمسّ الحاجة إلى الوصول إلى تكريس التفاهم في هذا الموضوع». أما سبب هذا الموقف، فيفسّره أرسلان لـ«الأخبار»: «من الضروري حلّ هذا الموضوع لأن التقارب السياسي يجب أن يعكس نفسه على الأرض»، مضيفاً «يجب الوصول إلى اتفاق على هذا الموضوع، وبهدوء». ويؤكّد رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الأمر، حيث يشدد على أن المشكلة ستُحلّ وبدبلوماسيّة مع المير طلال، إذ إن هناك قانوناً يقول بشيخ عقل واحد، وقد أخذ الأمر خمسين عاماً لحصول هذا التوحيد». ولا يُمانع جنبلاط، لا بل يؤيّد، حلاً يحفظ كرامة الشيخ نصر الدين الغريب. مصادر أرسلان تقول بوضوح إن أرسلان يرفض البحث في قانون تنظيم المذهب الدرزي الذي صدر عن مجلس النواب في أيلول 2006 (وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقة بين أرسلان والرئيس نبيه بري، إذ اتهم الأول بري بأنه تخلّى عنه عندما وافق أمين سرّ كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل على المشروع). ويرى هؤلاء أن المشكلة الأساسيّة في القانون تنطلق من عدم مشاورة جميع الأفرقاء في أمره. ويُضيف المقرّبون من أرسلان أن فريقهم السياسي والديني لم يتناول القانون مادة مادة، بل رفضه بالمطلق. من هنا، يرى هؤلاء أن نقطة الاتفاق تنطلق من إعادة النقاش في القانون. لكنّهم يؤكّدون أن طرحهم هو مبادرة حسن نيّات بدون أن يكون هناك خطوط واضحة له. ويُشير آخرون إلى أن زيارة أرسلان لغريب والكلام الذي قاله من دارته، يأتي في إطار تهدئة خاطر الغريب، بعدما زار أرسلان شيخ العقل المنتخب نعيم حسن معزياً. وهي خطوة أثارت مخاوف عند الغريب من أن يُستبعد في إطار التسويات السياسيّة. على خطٍ آخر، يرى مسؤولون في تيّار التوحيد (الذي يرأسه الوزير السابق وئام وهاب) أن القانون جيّد لكونه يضع إدارة أوقاف الطائفة في عهدة المجلس المذهبي، وهو منتخب وتابع لرئاسة مجلس الوزراء. وكان شيخ العقل السابق بهجت غيث قد طعن أمام المجلس الدستوري في شرعيّة قانون أيلول 2006 وخسر الطعن. ويُشير متابعون لوضع الطائفة الدرزيّة إلى أن اعتراض بعض المشايخ الدروز كان لجهة أن إدارة الوقف يجب أن تكون كما أراد الواقف (صاحب الأملاك التي أعطاها للوقف) بحسب وصيته (إذ يُحدّد بعض الواقفين جهة استعمال الأموال في مجالات مثل التعليم، الطبابة، مساعدة الفقراء وغيرها). لكنّ هؤلاء يؤكّدون أن القانون الحالي يحفظ هذا الحق للواقف، إذ على المجلس المذهبي إدارة الأملاك بحسب وصيّة الواقف. لكن المشكلة الحاليّة في الوقف الدرزي تنطلق من أن هناك بعض الأوقاف التي لم يستطع المجلس المذهبي إدارتها بسبب سيطرة بعض المشايخ الأقوياء عليها. ويُعدّد بعض العارفين بالشأن المذهبي مقام النبي أيوب في بلدة نيحا الشوفيّة ووقف الأمير السيد عبد الله التنوخي في عبيه وغيرهما. وأبرز مواضيع المشاكل في هذا الإطار أوقاف المتين التي تنتظر حكماً قضائياً، ويسيطر عليها النائب ميشال المرّ. والمشكلة في هذه الأراضي هي أنها كانت مملوكة من أميرتين من آل أبي اللمع (وهما شقيقتان)، وقد أوصت إحداهما بهذه الأملاك إلى الوقف الدرزي والثانية إلى الوقف الماروني. ويطرح أعضاء سابقون في المجلس المذهبي الدرزي المشكلة من زاوية أخرى، إذ يؤكّد هؤلاء أنه حتى ولاية المجلس الحالي لم يكن هناك جردة لأملاك الوقف العينيّة من مبانٍ وأراضٍ وغيرها، ولم يكن هناك معرفة بالأموال التي يُتبرّع بها في المقامات. ويؤكّد هؤلاء أنه إذا استُثمرت أموال الوقف الدرزي بطريقة جيّدة، فإن من الممكن خلق فرص عمل لآلاف الشبان. وقانون أيلول 2006 الذي يرفضه أرسلان قد حلّ بديلاً من قانون عام 1962 الذي قضى بتكريس استقلالية الطائفة في شؤونها وأوقافها ومؤسساتها الخيرية، وراعى وجود شيخين للعقل بصفة رسمية وثالث بأحكام انتقالية إلى حين وفاة الشيخ غير المعترف به من قبل رئيس الدولة وفقاً لأحكام المادة الثانية من القانون المذكور (توفي الشيخ علي عبد اللطيف عام 1970 وانتهت مفاعيل هذه المادة من القانون). في قانون 1962 ينتخب شيخي العقل أبناء الطائفة الذكور الذين لهم الحق في الانتخاب وفقاً لقانون انتخاب أعضاء المجلس النيابي، بعدما تتفق كلمة الطائفة الدرزية في لبنان على اختيارهما من أبنائها الأخيار. بعد وفاة الشيخ رشيد حمادة (يزبكي) عام 1970، لم يبق إلا الشيخ محمد أبو شقرا في منصب شيخ العقل (جنبلاطي) حتى وفاته في عام 1991 حين عيّن بهجت غيث قائم مقام شيخ عقل الموحدين الدروز بمباركة من وليد جنبلاط. بعد سنوات قليلة على تعيينه، نشبت خلافات حادة بين الشيخ بهجت غيث والنائب وليد جنبلاط ما لبثت أن توسعت لتشمل عدداً من المراجع الدينية الدرزية. وكانت المرحلة التي تلت نشوب الخلاف الغيثي ـــــ الجنبلاطي قد شهدت العديد من المحاولات لمعالجة وضع البيت الداخلي، منها التوصل في إحداها إلى اتفاق جنبلاط وأرسلان، يقضي بتقاسم مقاعد المجلس المذهبي ومعالجة ملف الأوقاف وتوحيد منصب مشيخة العقل والتوافق على تعيين الشيخ سليمان أبو ذياب في هذا المنصب. وسقط هذا الاتفاق مع الطعن الذي تقدم به الشيخ غيث إلى المجلس الدستوري وبقيت الحال على ما هي عليه.