نهر الليطاني

كأنّه لا يكفي نهر الليطاني التلوث الذي يجتاح حوضه الأعلى في منطقة البقاع منذ عشرات السنين، بفعل مياه المجاري الصحية والنفايات الصلبة ومخلفات المعامل والمصانع والمدابغ والمسالخ والمبيدات الزراعية. وقد تعدى التلوث الحوض الأعلى إلى الأسفل الممتد من بحيرة القرعون في البقاع الغربي حتى مصب القاسمية في الجنوب، لا سيما في المنطقة المحيطة بجسر الخردلي، بعدما اجتاحتها المجاري الصحية، إضافة إلى نفايات المتنزهين الذين يقصدون المنطقة ويتركون وراءهم نفايات أو يرمونها في مياه الليطاني، ليتضافر ذلك كله مع الإهمال المزمن في الحفاظ على نظافة نهر الليطاني من جانب الوزارات والمؤسسات والبلديات المعنية.
ويوضح مسؤول الدائرة الفنية سابقاً في مصلحة مياه نهر الليطاني د. حسين رمال أنّ «أهم مصدر لتلوث الحوض الأعلى لنهر الليطاني الممتد من بحيرة القرعون إلى منطقة بعلبك هو مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة التي تصب فيه من أهم المجمعات السكنية في زحلة، شتورا، جب جنين، القرعون ومشغرة، إضافة لنحو 48 بلدة وقرية واقعة في الحوض المذكور الذي يشكل ثلثي المجرى (90 كلم) في منطقة البقاع، وتقدر نسبة الكمية الملوثة للنهر كل عام بنحو 20 مليون متر مكعب، إذ يتحول إلى مجرى مكشوف للصرف الصحي اعتباراً من تموز بعدما تجف مياهه كلياً». 
أمّا سبب التلوث الثاني فينتج، وفق رمال، من نفايات المصانع التحويلية المنتشرة في الحوض الأعلى من النهر، إضافة لمخلفات المستشفيات ومزارع الدواجن والمسالخ والمدابغ وغيرها، فيما يتمثل الملوث الثالث في المواد والمخصبات والأسمدة والأدوية الزراعية المستعملة في الإنتاج الزراعي التي ترش وتروى فيها المزروعات، وتذهب إلى مجرى النهر والمجاري الجوفية، إضافة إلى مرائب غسيل السيارات ومحطات المحروقات ومحال غيار الزيت والمقالع والكسارات.
ويرى رمال أنه «لا محاولات جدية لمعالجة مشكلة تلوث الليطاني في الوقت الحاضر، ما خلا إعداد دراسة لإنشاء 13 محطة تكرير للصرف الصحي في الحوض الأعلى من جانب مجلس الإنماء والإعمار و8 محطات لوكالة التنمية الأميركية، إضافة إلى قيام فريق من الخبراء السويديين بمسح شامل لمجرى النهر وتحديد مصادر التلوث وتأثيرها في المياه، فضلاً عن محاولة ثانية قامت بها وكالة التنمية الأميركية وتضمنت تجربة على دراسة الأعشاب والطحالب النهرية، لكن هذه المحاولات بقيت وصفية وليست عملية، بانتظار الحل الجذري لمعالجة مشكلة تلوث مجرى الليطاني، وهذا يتطلب تضافر جهود مصلحة مياه نهر الليطاني والوزارات والمؤسسات المعنية والجهات الأمنية والقضائية المختصة، لاتخاذ الإجراءات الرادعة والصارمة ضد المتسببين والمشاركين في التلوث».
وكان النائب عاصم عراجي قد أثار مشكلة تلوث نهر الليطاني، ودعا إلى «إنشاء هيئة عليا تعنى بشؤون التلوث ومكافحته، وتضع المعايير التي يجب تطبيقها، وإلزام المعامل والمصانع القائمة في حوضه بوضع محطات معالجة على مخارج ملوثاتها، وعدم إعطاء تراخيص لأي مصنع إلا بعد تزويده بمحطة معالجة، إضافة لوضع مخطط توجيهي للصرف الصحي».
ويجمع رؤساء بلديات كفرتبنيت أرنون، يحمر الشقيف، دير ميماس والقليعة الواقعة في خراج نهر الليطاني في منطقة الخردلي، أنه بالرغم من وقوع مجرى نهر الليطاني في المناطق العقارية التابعة لهذه البلديات، فإنها لا تستطيع بإمكاناتها المادية والبشرية المساعدة على اتخاذ الإجراءات الآيلة للتخفيف من تلوث النهر والحفاظ على نظافة ضفتيه، ولو من خلال توزيع براميل النفايات في المنطقة والقيام بإرشاد المواطنين وتحذيرهم من عواقب ترك نفاياتهم في أماكنها بطريقة مكشوفة أو رميها في مياه النهر، أو العمل على منع تسرب مياه المجاري والجور الصحية إلى مجراه.
ويلفتون إلى أن الحفاظ على نظافة حوض نهر الليطاني في نطاق بلدياتهم ليس من اختصاصهم فحسب، بل هو مسؤولية مشتركة يجب أن تتولاها الوزارات والمصالح والمؤسسات والبلديات المعنية.

 

جريدة السفير: 24/8/2013

Latest Comments


Post a Comment

Name *
Email
Comment *