يوم لم يكن في الشرق "دكتورا" في الفلسفة واللاهوت كان في المتين عام 1882 دكتور هو الأب مبارك سلامة أو أنطونيوس بن بطرس بن ابراهيم سلامة. أبصر النور في قرية المتين ، في 15 نيسان سنة 1852.وتوفي في 29 آب 1929. يروي بعض جوانب حياته الحلوة والمرّة الأب الياس الخوري لحود من قرطبا عبر ذكريات دوّنها الأب إلياس وحققها ونشرها الدكتور الياس قزي. صدر الكتاب عن جامعة الروح القدس الكسليك سنة 2018.

الأب الياس لحود
تعرّف الرّاهب الياس الخوري لحود القرطباوي صغيرا الى الأب مبارك سلامة المتيني وكان لا يزال الياس مبتدئا في الرهبنة
يقول الأب الياس
العام 1886 طلب الأب مبارك سلامه المتيني وذلك قبل أن يصبح رئيسا عاما بزمن، من الرئيس العام مرتينوس سابا الغسطاوي أن يعطيه مار موسى الدوار كي ينشئ فيه مدرسة تعلّم إثنى عشر راهبا على أن يقدّم الرئيس العام معاش اثني عشر تلميذا عن كل تلميذ ثمانماية قرش لا غير . وأن تتكفل الأديرة للتلاميذ بفرشاتهم وكسوتهم وأن هذه المدرسة تكون للإختبار.فإن نجح الإختبار ثبتت المدرسة وزيد عدد تلامذتها وإن
فشل عاد كل راهب يتعلّم في ديره كما كانت العادة.


الأب العام مبارك سلامة المتيني
ثم أن الريس العام أمر الأب مبارك أن ينتخب التلاميذ الذين يعرفهم أهلا للمدرسة ، فانتخبهم وكنت من جملتهم.
سُرّ المدبّرون بهذا الإختيار سرورا عظيما إلا أن المدبّر واصاف الجاجي اعترض على تعييني وأراد حذف إسمي واستبداله باسم يخصّه. فأجابه الأب مبارك إن حضرتك تعرف بالبقر والفلاحة وأنا أعرف بالمدارس والتلاميذ فلو أمرتني أن أشتري راس بقر او أزرع حقلة ما لما عرفت.فاغتاظ الأب المدبِّر واصاف من هذا الجواب. ولكن الرئيس العام أجابه أن الحق مع الأب مبارك فسكت.
بلغ عدد تلامذة مدرسة مار موسى 36 راهبا عام 1889 وذاع سيطها وبدأ العلمانيون يطالبون بإدخال أولادهم إليها فإضطر الرهبان الى استقبالهم بصفة خارجيين في الحارة التي كانت بقرب الدير وفي الكنييسة القديمة. (إيلي قزي ، الأب الياس الخوري لحود - بين جبل لبنان وجزيرة قبرص – ذكريات راهب في الحرب الكبرى، جامعة الروح القدس في الكسليك 2018، ط1 ، ص 45 -48.
بعد أن استلم الأب واصاف الرياسة العامة عقد مجمعا خصوصيا وغيروا بعض الرؤساء . وقرّروا نقل مدرسة دير مار موسى الى دير الناعمة وعزلوا الأب مبارك عنها كما فصلوني عن سائر التلاميذ فأعود الى دير قرطبا بصفة أخ عامل.
لم أنجح في إقناع الريس العام في العودة عن قراره حتى حضر الأب مبارك بذاته فوقف على خاطر الأب واصاف . وطلب منه أن يأخذني الى دير مار موسى على عاتقه ويعلّمني اللاهوت الأدبي فأجابه الأب واصاف الى طلبه بشرط أن يرضى الأب إجناديوس الناكوزي المتيني رئيس دير مار موسى آنذاك. وقد قبل الأب إجناديوس بعد طول محاورة. وكان ذلك عام 1890.
وفي ذات يوم كنت عائدا مع معلمي الأب مبارك من قرية قنابة صليما حيث ذهبنا إليها بحسب العادة للإستماع الى الإعترافات والتعليم المسيحي. التقيت بأحد شركاء الدير ومعه مكتوب الى معلّمي. أخذته له وذهبت أقضي بعض الحاجات ولما رجعت وجدته يبكي.ولما سألته عن السبب دفع لي بالمكتوب فكان فيه ان المرسل الأب العام واصاف يأمر الأب مبارك بأمر الطاعة المقدّسة أن لا يبارح الدير بحجة الوعظ وعمل الخير لانه بذلك يثير الشكوك من حوله فالرهبنة هي للصلاة والنسك وعمل الأرض لا للوعظ والتعليم
. فكان هذا المكتوب سببا لبكانا كلانى غير أني أخذت أنشّط معلمي وهكذا مضى ذلك النهار بالهَمّ والتكدير." (1)
ويتابع الأب إلياس إن الخواجة جرجس صعب أبي كرم وصل الى دير مار موسى "على بغتة" وأخذ الأب مبارك على حدة وأفهمه أن القاصد الرسولي غودنيسيو يطلبه الى بيروت فازدادت همومنا وأخذنا نحسب للأمر ألف حساب.
لم يكن مع الأب مبارك مصروف السفر الى بيروت فعرّج على برمانا لعند الخوري نعمة الله أبي كرم (مطران بيروت فيما بعد) أخذ منه أربعة ريالات مصروف الطريق وغادر الى بيروت.
لم أعرف بالنبأ السار الذي عاد به معلمي (الأب مبارك ) من بيروت إلا نهار الاحد التالي يومها ترأس الأب مبارك القداس في كنيسة الدير ، أخبر الرهبان والعوام أن رومية أمرته أن يخدم الرهبنة بوظيفة " ريس عام". فما كدت أسمع تلك العبارة حتى كدت أطير من عظم فرحي. وبعد القداس أخرجناه من الكنيسة بزياح حافل وبدأت الأفراح. كان ذلك عام 1891.
بعد سيامتي ،يقول الأب الياس، غادرت الى قرطبا حيث مكثت بين الأهل وتنزهت باتجاه أفقا مع الأصحاب والرهبان. انقهر المتاولة المدعوّين الى مائدة الغداء معنا مني لأنني انا من ذبح التني (رأس ماعز عمره سنتين ) والمتاولة الشيعة لا يأكلون ذبيحة المسيحي. إعتذر الأصحاب من المتاولة مدّعين أن الأب الياس لا يعرف بهذه العوايد فهو لا يعيش في مناطق المتاولة بل في مناطق الدروز جهة المتن . ثم أكرموهم بالخبز والجبن والزيتون فحمّلوا وانصرفوا ..
عدت الى مار موسى الدوار بعد الشهر . مررت في طريقي على الزعرور حيث كان قسم من المبتدئين هناك وثاني يوم نزلت الى الدير وكان الرئيس العام والمدبرين هناك .وكانت أثواب المبتدئين رثة وسخة للغاية فأخبرت الرئيس العام وفي الحال أمرني أن أذهب الى المتين لعند أخيه الياس وأعمل ثياب للمبتدئين كلها
جديدة وكافية. (2)
يتبع
(1) الظاهر أن صراعا كان قائما في الرهبنة اللبنانيية بين تيار مصمم على مهنة الرهبان الأساسية وهي الصلاة والتأمل والعمل في الزرع والرعي وتيار آخر ومنه الأب مبارك سلامة يجهد في دفع الرهبان باتجاه الثقافة و العلم . ولا يخفى أن تأثير اليسوعيين كان فاعلا في هذا الإتجاه.
(2) الياس الخياط هوالياس بطرس بن ابراهيم سلامة شقيق الأب العام مبارك سلامة ووالد يوسف سلامة أول رئيس بلدية لقرية المتين ومشيخا. وكان الياس خياطا أورث المهنة لإبنته حنه سلامة التي تزوجت من شاكر خليل بو نادر.