في ال2007 أجرت ديانا بارود المسؤولة آنذاك عن موقع المتين (مركز المعلومات والاتصالات) حديثا مع - "جدّو طانوس" بحكم الجيرة المُحبّبة - نورده مستذكرين المرحوم طانوس بو رزق سلامه الذي له فضل كبير على نشر اسم المتين في الجبل لا بل في كل لبنان صيفيات نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من خلال سهرات الزجل التي جذبت الناس من مختلف المناطق اللبنانية.
مقهى اللاسيكال تعرفه جيدا اجيال متينية تستذكره بحنان وتنقل اخباره الى أجيال لم يسعفها الحظ في التعرف اليه.
رحم الله المعلّم طانيوس الذي غادرنا في بداية شهر كانون الأول من سنة 2010
" كخرزات مسبحة لا نهاية لها ... تصل المروج ... ببزبدين"
بهذه الكلمات، وصف لنا السيد طانيوس سلامة (جدو طانيوس كما اعتدنا مناداته منذ صغرنا)، سبحة السيارات التي كانت ُتركن قرب " مقهاه " وسط المتين تجْهَد صعوداً حبة خلف حبة وصولاً الى المروج، ووتكرّ نزولاً حتى قرية بزبدين المجاورة.
هكذا كانت سيارات محبي السّهر والزّجل تصطف على أطراف الطرقات ...
وهكذا كان محبّو الزجل يأتون من مختلف أرجاء لبنان، من الشمال والجنوب، من زحلة والبقاع، ليستمعوا الى أجمل حفلات الشّعر التي كان ينظّمها "جدو طانيوس" في اللاسيكال والتي كان يحييها كبار شعراء الزجل في جوقتي خليل روكز، زغلول الدامور ...
"حوالي العام 1960، وفي الساحة المسماة "بورة السيدة"، البورة الكبيرة المجاورة لكنيسة السيدة – المتين، في هذه البقعة بالذات، كانت "قهوتي".
"مقهى كبير وواسع"، اخترت له أجمل الأسماء، فدعيته بمقهى La Cigale . كان يتّسِع لأكثر من 200 طاولة سعة 20 صحناً للطاولة الواحدة. خلال الأيام العادية، كنّا نقدّم المشروبات الغازية والقهوة والشاي، أما في ليالي السهر والزّجل فالعرق هو "سيّد المازات "
هذا ما أخبرنا به "جدّو طانيوس"، خلال حديثٍ شيّق ومليء بالذّكريات المفرحة، التي عادت لتحيي ملامح الشباب في وجهه. وجهٌ جعّدته الأيام وأتعبته السّنون، أجريناه معه "لننفض معاً الغبار" عن مرحلة قديمة مهمّة عاشها جدّو طانيوس، وعاشها المتينيّون جميعاً فجعلت تلك المرحلة من المتين مقصد الفن الزجلي المرموق، ومقصد كبار لبنان، كسعيد عقل الذي كان ينتقل من زحلة لحضور الحفلات وأهمها تلك الحفلة – مباراة التي كان عماداها خليل روكز وزغلول الدامور.
"حفلات الزجل كانت كثيرة، لا أذكر عددها بالتحديد، لكنّي أذكر أنها كانت مقصد الألوف من اللبنانيين ولا سيما المغتربين منهم. كانوا يأتون من شتى أنحاء البلاد ، من الشمال (زغرتا، بشري...) والجنوب وزحلة .... كان الساهرون يبدأون بالتوافد الى ساحة المقهى، بدءاً من الساعة الخامسة عصراً، "ليحصدوا مكاناً مميّزا يحطّون رحالهم فيه. "، في حين أنّ السّهرة ما كانت لتبدأ قبل الساعة التاسعة مساءً. ولكثرة الإزّدحام، كان القادمون يجلسون على سطوح "البواسط " و على جميع الشرفات المطلّه على المقهى ويفرشون الأراضي المحيطة للتمتّع بأجواء الزّجل ولشرب العرق ..."
"أداء الجوقات كان منوّعا ومختلفا بين سهرة وأخرى: فمنها ما كان الأداء فيها "منفرداً" ومنها ما كان "مباراة" بين الشعراء يتناولون خلالها مواضيع كالخير والشر، الجنة وجهنم المدرسة والسجن..الخ.
وأهمّ سهرة أذكرها يقول جدو طانيوس ، كانت تلك المباراة بين الشاعرين الكبيرين خليل روكز وزغلول الدامور، وأشير الى أنّ أهمية تلك السهرة، كانت تكمن ليس فقط بألوف الساهرين الذين قصدوها، وانّما بكونها، أوّل حفلة – مباراة أجريت في لبنان، بين روكز والزغلول . وبعدها، انطلقت هذه الحفلات في باقي المناطق ..."
"ومن السهرات التي أذكرها أيضاً (للاشارة الى كثرة الإزدحام) كانت تلك التي جمعت 25.000 ل.ل. كرسم دخول فقط (10 ل.ل. رسم دخول على الشخص الواحد). وفي ختام السّهرة، كان مجموع الصندوق 40.000 ل.ل. أربعون نادلاً عملوا طوال تلك الليلة على تأمين الخدمة للساهرين... وأكثر من 100 لوح ثلج استُهلِكه الساهرون في كؤوسهم (طول كل لوح متراً واحداً)
......
هذه هي ذكريات جدّو طانيوس عن مقهاه ، أحَبّ أن يشاركنا ايّاها، بعد زمن على اندثارها وفي أيّامٍ قلّت فيها ليالي السهر والفرح والأنس
ملاحظة : لم نجد صورا فوتوغرافية لتلك الحقبة الجميلة والسّهرات المميزة،

تحقيق ديانا بارود
11122010
موقع المتين
(يتبع)