!قال لي فيصل

قال لي فيصل أن : إقرأ !
فقرأت في القصة ألف قصّة.
قرأت دمعا في عيون الأمهات
و تجلّدا وصبرا في قسمات وجوه الرّجال.
قرأت ركائز صخرية لسطوح خشبية يكسوها التراب
او قل قرأت القساوة يعلوها السّماح .
قرأت الخير في بيوت فقيرة
والجلال والتواضع في قصور شامخة
ويحك فيصل ! الى أين ؟
قال : "في البال موال"!
إقرأ!
باسلوب آسر روى
وبلغة البيت خاطبنا.
فيصل لم يتكلّف ولم يتألّه بل جاء ت عباراته حرّة تنساب على هواها رقيقة نابعة من البيئة التي حضنته والتي فيها شب ويشيب.
اسلوب تتحفك الوانه . نَحْوِيّة لرفع العتب وجبلية من صلب الأدب . الوان ان دقّقت فيها بان عليك ابن الأصل ، ابن الشيخ الموحّد ، شيخ من المتين.
هذا في الشكل . ولا يختلف الشكل عن المضمون اذ ينصهران في قالب مصبوب يإحكام مرصّع بالفكر والصدق.
لقد تضمنت قصة " عودة مهاجر " عِبرًا ورسائل هادفة بعيدة عن الوعظ الممل أقرب الى خفر الإيحاء.
لقد ترك حَسَن اهله ليلتقي على ظهر السفينة شابا من جبل العرب ، كما صادف في المهجر جماعات من جزين وأخرى من طرابلس وبعبدات. فتميّز النص من خلالها بنكهة وطنية لبنانية جامعة قبل نشوء دولة لبنان الكبير بعقدين من الزمن.
وفي بعض المواقف، لم يشأ الكاتب ، لرهافة حسّه، أن يردّد كلاما يبدو لوهلة فئويا قيل لأبي حسن وذلك مخافة أن يمسّ فيصل شعور أحد قرّائه او جيرانه او حتى جهّال هذا الزمن الصعب.
فالأمير قبلان بو اللمع رئيس مجلس ادارة المتصرفية و اعرف العارفين بأحوالها و بالنسيج الإجتماعي والسياسي لأهلها أصر أن يبيع قصره في المتين لشيخ من مشايخ الموحدين الدروز - وكانت بقية القصور قد بيعت لمسيحيين - أصر الأمير....! كي يبقى الميدان ساحة للإنصهار ولعيش واحد كريم.
لم يذكر الكاتب القاص – هذه الحادثة بل اوحى بها. وإن تقصّدنا ذكرها في هذه المقدّمة فلندل على ما يزخر به فكر فيصل القنطار من مسؤولية ودراية وحبِّ وئام.
حسن في قصة " عودة مهاجر " مجاهد شجاع كريم نبيه وعليم . إنها الصفات التي لم يَخصّ الكاتب بها جدّه بل عمّمها على كل اولئل " التُرْكو" وتاليا "السيريو لبانيز" الذين التقاهم في حلّه وترحاله . كلهم ابناء سورية ولبنان وكلهم ابناء جهاد ونبل وكرم.
اتراه كان يسرد قصة جدّه فقط ؟ لا ، ففي القصّة فصل من فصول سوريا ولبنان البؤس والشقاء و الجهاد من أجل عيش كريم.
أتراه كان يسرد قصة جدّه فقط ؟ لا فأبطال القصة أجدادنا وفي القصة قصة كل واحد منا. ولولا كفاح الأجداد لما بان لنا وطنٌ ما ان نَهجُره حتى تعيدنا اليه الطريق. لهذا لا خوف أن يزول ، إذ إن حسنا وامثال حسن هم الصخر والبحر ودروس الزمان العتيق.
لقد بعث الكاتب القاص بجدّه حيا لا يموت وأطلقه حرا و مثلا يحتذى وليس في الأمر مفاجأة. لبنانيون جبليون نحن ! "لا يموت لنا ميت" إن جهِلنا و"لا يموت من أنجب" إن عَقلنا. وانتم من أعقل العاقلين.
أعزّنا!
انني ما خلتك وانا اقرأ في كتابك إلا جالسا واحفادك ومحبيك حول الموقد تقص عليهم بعضا منك وبعضا منهم ومنا علّ في ذلك عبرة لهم ولنا ولمن اعتبر.
شربل نجار
لقطات من حفل التوقيع






.jpg)