لا اعرف من اين كان يمر طريق الدخول الى المتين او الخروج منها سواء من ناحية مشيخا او وطى المروج. وجل ما اعرفه عن طريق المتين ناحية وطى المروج انه كان يمر من أمام جوزة الطاحون ، يحاذي البُرَك على يسار الطريق نزولا باتجاه الساحة فينعطف يسارا خلف بيت انيس عبيد الى بين بيتي سليم وجورج راشد نحو حارة حبيب بو رزق او دير الراهبات آنذاك فبيت يوسف سركيس هارون باتجاه الساحة.
من اراد الوصول الى حارة العين انعطف يمينا قبل بيت جورج راشد وحاذى كنيسة السيدة مارّا من امام دكان بو عبدو يوسف نصرالله مجاريا الحائط الشرقي لمار يوحنا عابرا حارة السليمانية فالعين فبيت صرّوف وعبَيد وساحة المدوَّر ومنها الى الساحة بين دكان مخول حجيبان وخربة بو عبدو ابو سليمان.
في ذلك الوقت، في أوائل الخمسينيات ، لم تكن طريق البحصيصة قد شقّت بالرغم من اصرار بيت بارود وعلى رأسهم شبل . ولا الشارع الذي مزّق القلب وقطّع الشرايين كان قد فُتح.
نعم أوردة وشرايين قطّعها الشارع الضخم.! ومن يومها بدأت القرية تتحوّل الى ضاحية.
اتريدون ان اسمي تلك الشرايين المقطعة؟ حسنا
- الطريق الذي يحاذي الدير يردّ من فوق باتجاه بقايا الكراخين التي تحولت مخزن رمل ، ومن تحت نحو بقايا "الوريد" باتجاه بيت ناصر واسعد بو عبدالله سلامه.
- الطريق الذي يحاذي حديقة "مغارة الميلاد" شريان مقطوع يكمل بين دكان بو عبدو وكنيسة مار يوحنا نحو حي السليمانية .
- الطريق بين كنيسة السيدة والمدرسة الرسمية يلتقي بطريق مار يوحنا أيضا وأيضا.
- الطريق الذي يبدأ عند حارة حبيب بورزق ويتفرع منه شريانان عند تمثال المدوّر واحد باتجاه فرن المختار، حارة الكراكول فيسارا نحو منزل حبيب ونكد الحداد وحارة بيت بو فرحات باتجاه الفرن العتيق وهناك يلتقي بالشق الثاني الذي يبدأ امام زهور بارود ويمر من امام ملحمة جان شمعون فبيت اندراوس الحدّاد فالفرن العتيق. (1)
كل طرقات المتين بعد مرور الشارع المتوقف عند مداخل مضارب بني معروف صارت بالطول من شرق الى غرب وغابت العرْضية بين شمال وجنوب المتين. أما الإصرار على وقف الشارع حيث توقف فقد ابقى لنا نموذجا عما كان في القلب : ساحات ....آخرها أو ما بقي فعند آل القنطار!
طريق الخليّة كانت قادومية وصارت طريقا خلال ولاية رئيس البلدية جوزف اسعد ابو سليمان وعضوية اسعد صالح القنطار وسواه. وبما ان الحديث اوصلنا الى السليمانيين فالطريق الذي يخترق حارتهم نزولا باتجاه العين فالساحة ، إنما هو من صنع نهاية العشرينيات وقد رافقه قيل وقال كثير وتجريح بالكبير والصغير وبالطول والعرض وفي يد احد المتينيين اليوم وثائق تشهد.
.jpg)
دير مار يوحنا الصابغ
لست ادري ما الذي قادني الى هذه الطرقات و همّي ان اتلمّس الطريق الذي كان يسلكه جدّي بو داود صرّوف والوفد المرافق في الرَّواح الى دير مار يوحنا الصابغ سبت العيد الكبير و عودته الى المتين نهار اثنين الباعوث !
مما لا شك فيه انه كان يسلك القادومية بين قصر آل القنطار وبيت نجيب سلوم باتجاه حارة حبيب بو رزق فجوزة الطاحون باتجاه الوطى فالخنشارة.
بولونيا لم تكن موجودة آنذاك وتوفيق رزق كان همه يومها ان ينقل مستشفاه من الخندق الغميق الى الأشرفية. مستشفى رزق تحول مع الأيام الى أحد اهم المستشفيات الجامعية في المشرق العربي. لم يكن توفيق قد زار بولونيا بعد ولم يكن قد صار وزيرا وشيد اجمل فيلا في حي بيت سماحة اجمل احياء الغابة على الإطلاق . ولم يكن بعد قد هم بتأسيس بلدية باسم بلدية بولونيا في أعالي الخنشاره.
توفيق رزق نقل في الخمسينيات جمال المدينة والقها ورونقها الى قلب الغابة فتألّقت وجاراه كثيرون آل سماحة جاروه و جبر وطراد والأشقر وسواهم ووصلت آنذاك فرحة آل غسطين الى اعلى من قرعتهم .
بو داود كان كاثوليكيا وكان يعشق غابة صنوبر دير مار يوحنا الصابغ في اعالي الخنشارة لا بل كان ودودا محبا لرهبان ذلك الدير . هكذا علّمه والده داود وعلّم أخاه ابراهيم وعمّهما صرّوف منذ ان كانوا. قال لهم انهم من سلالة عائلة دمشقية قريبة الى حد الإلتصاك بالإكليروس. فالمطران اغناطيوس صروف مطران بيروت مطرانهم ثم بطركهم ثم شهيدهم على صخرة طانيوس قرب دير مار سمعان العمودي في وادي الكرم في أعالي المتن الشمالي. واغناطيوس في الأساس وقبل ارتسامه سُمّي يوسف وبهذا الإسم سَمَّى بو داود ابنه الثاني يوسف زوج روزالي عبدو ابو سليمان ووالد اندريه وروجه وبوليت.
البطرك إغناطيوس صرّوف لم يكن بطركا عاديا. كان مالئ الدنيا. مطرانا لبيروت أقام الدنيا وأقعدها ليغير في قوانين الرهبنة الباسيلية الشويرية (2) وخاصم البطريرك والرهبان وكاد ان يؤسس رهبنة مستقلة في دير مار سمعان وادي الكرم وكاد البطرك أغابيوس مطر ان يتهمه بالنّصب والإحتيال وكاد أن يجرّده من نذوره الرهبانية غير انه عاند مطر ومجلس المطارنة : كليمنضوس مطران جبيل، اغابيوس مطران ديار بكر، مكاريوس مطران عكا باسيليوس مطران الفرزل بناديكتوس مطران بعلبك وهلم جرّا (3) .
احتمى بالبشيرين شهاب وجنبلاط ، عضدا الكثلكة الناشئة في الشوف ، فانتقل من مطران مهدَّد الى بطريرك يهدِّد.
عام 1798 كاد صرّوف ان يخرج مطرودا من الرهبنة. وفي شباط 1812 صار بطريركا و في تشرين الثاني عام 1812 قتل.
دُفن صرّوف في كنيسة مار سمعان وعلى الرّخامية كتب :" هنا يرقد المطران إغناطيوس صرّوف (وليس البطريرك)ولما سألنا لم يستطع أحد أن يجيب.
جريُس بو كشك المعلوف قتل البطرك في جوار دير مار سمعان، وطانيوس هرّب جريُس وهرب وإيّاه (4) كما جاء في وثائق بونا الياس قبل ان يسرد امين المعلوف ما سرد في كتابه "صخرة طانيوس". وأمين ابن كفريقدا معذور.... فقد لامس الحدث او اتى اليه من النوافذ الواسعة للرواية الكاملة غير أنه لم يلج باب التاريخ.
والرواية تقضي ان يُقتل صرّوف في ثلاثينيات التاسع عشر بينما التاريخ يؤكد مقتله عام 1812.
صرّوف زار مار يوحنا الصابغ ومكث فيه ومرّ بكفريقدا (عين القبو وكفرعقاب و المشرع) في طريقه الى مار سمعان في وادي الكرم. ولا ادري... ولا احد يدري إن زار المتين حيث الأقارب. إنما في بيت صروف العتيق صورة لهذا البطريرك ربما تكون الصورة الوحيدة لهذا الرأس الكاثوليكي المشاغب الذي امتد نفوذه من بيروت الى الجبل فملأ الدنيا آنذاك وشغل قادرين ومقتدرين.
لقد أخبرني الأب العام للرهبنة الباسيلية الشويرية سمعان عبد الأحد أنه ولما كان مبتدئا في دير مار يوحنا كان يعرف ان بعد ظهر سبت النور سيأتي ابو داود وسيأتي اولاده العشرة او اكثر او اقل بحسب الظرو ف. وسيأتي احفاده وعلى رأسهم جورج بن اسمى وفي بعض الأحيان يأتي نصري وشاكر وفؤاد وفكتورين وجان وابراهيم بن ليندا واندريه وروجه وغيرهم وغيرهن ووفد من صواني الحلوى ووفد من خروفين او ثلاثة أضاحٍ ليوم العيد.
أمي روز، كانت تكبر نصري بن ليزا باربع سنوات وكانت عضوا دائما في الوفد. وهي أيضا أخبرتني!
ابو داود كان وفدا من الصبايا والشباب والنسوة والأحفاد والهدايا والأضاحي!
ابو داود والوفد المرافق يبيتون في الدير ويتهيؤون لصباح العيد الباكر. للسحرية والهجمة وقداس العيد والترويقة بعد القداس في ذلك العَقْد العتيق حيث سفرة دير مار يوحنا . ولا يزال روجه بن يوسف ومورييل بنت روجه يحترمان هذا التقليد وينفذان متطلباته بحذافيرها وبحسب وصية جد روجه ووالد جد مورييل.
وفي كل سنة ويوم العيد يجتمع في الدير وحول الأب العام والرهبان وروجيه عمّات روجه وأولادهن ومنهم من درس في مدرسة الدير فسامي بن ايلين، وهو اليوم في منتصف العقد السادس ، قانوني ومصرفي بامتياز قد درس هناك وصار العيد والدير بالنسبة اليه صنوان لا ينفصلان.
كانت روز تقول: " بيت صروف إلهم بالدير أوضة " والأب العام دلّني على مكان تلك "الأوضة" في ناحية كانت تسمّى رواق الدمشقيين وقد أزيل ذلك الرواق منذ سنوات.
شربل نجار
(يتبع)
(1) من يريد من المتينيين الأحباء ان يضيف او يصحح فنحن له من الشاكرين
(2) Ignace Sarrouf et les réformes des Chouérites، Paul HYPERLINK "http://www.persee.fr/author/persee_265010"Bacel (1774-1790) ÉchosHYPERLINK "http://www.persee.fr/collection/rebyz" HYPERLINK "http://www.persee.fr/collection/rebyz"d'Orient Année 1910 Volume 13 Numéro 82
pp. 162-171
(3)د. عصام خليفة، وثائق هامّة حول طائفة الملكيين الكاثوليك، ج1 ، بيروت 2015
(4)Maalouf Amin, Le Rocher de Tanios, Grasset, Paris1993, p.171-172