يوم التقى ألبرت آينشتاين، أبو النسبيّة، بشارلي شابلن، أبي الأفلام الصّامتة، بادره بالقول:" مستر شابلن. أنا أنحني أمامك، لأنك استطعت أن تحقق شهرة عالميّة رغم أنك، وطوال تاريخك الفني الحافل، لم تتفوّه بكلمة واحدة". أجاب شارلو:" وأنا أيضاً، مستر آينشتاين، أنحني أمامك، لأنك استطعت أن تحقق شهرة أوسع، رغم أنك أمضيت حياتك كلها تتكلم... ولم يفهم أحد كلمة مما كنت تقوله".
دعوكم من ترداد ذكره في العهد القديم، ومن اختراعه للأبجديّة، ومن مراجل فخر الدّين، فإن شهرة لبنان المعاصر ووهجه وحضوره في الذاكرة البشريّة حتى اليوم، تأتي من حقبة قصيرة جدّاً تمتدّ حصراً من أوائل الخمسينات إلى أواخر الستينات. ولو كُتب لنا أن نستعرض هذا الماضي القريب العجيب بفيلم نعرضه على آلة عرض سينمائيّة عتيقة، لتراقصت مشاهد صامتة بالأسود والأبيض، يتسارع فيها كمٌّ من الطرابيش والقنابيز والهناديم، وفساتين الديكولتيه، في شوارع مدن وقرى تزهو بقرميدها، وتبقبق في أفرانها مناقيش بزيت الزيتون البلدي وتُنثر مازاتها بالقرب من شلالاتها. هكذا سنرى لأوّل مرّة في الشرق، تدشين أوّل مطار دولي، وأوّل متحف وطني، وأوّل كازينو، وأوّل قصر لليونسكو، وأوّل مركز للمصارف، أول مدينة رياضية، وأوّل مهرجانات عالميّة، وأوّل مشروع أخضر في بحر الرّمال، وأوّل عاصمة إستقبلت الملوك والرّؤساء والمؤتمرات، باريس الشرق في سويسرا الشرق، "كليشي"؟ نعم، بس هيك كنا. وأوّل وأوّل وأوّل...
عشرون سنة ذهبيّة بماية قيراط، صنعتها عهود ورؤساء هم كلهم آباء الفيلم الصامت على بلاغة، فيلم شهرنا ولكن وُضع بحقد على الرف.  في المقابل، ونكاية بآينشتاين، اليوم الكلٌّ يُنظّر ويُحاضر عن النسبيّة. نسبيّة في كلّ شيء، نسبيّة في الوطنيّة، نسبيّة في الولاء، نسبيّة في تطبيق الدّستور، نسبيّة في تطبيق القانون، نسبيّة في النأي بالنفس، نسبيّة في المقاومة، نسبيّة في تحديد الصّديق ونسبيّة في تحديد العدوّ.
وعلى كلّ شاشة، يظهر يوميّاً منظّر جديد يُتحفنا باجتهادات جديدة على طريقته، تمتدّ من صناعة البيض بقورما إلى نظريّة اصطدام النيزك الجهاديّ بنيزك المقاومة والممانعة، في بيغ بانغ مشرقيّ جديد سيُولد سايكس بيكو كوني يُعيد تقسيم الأرض والكواكب والمجرّات المرئيّة وغير المرئيّة.
يا عمّي، ما بدنا نفهم قدّهن... بدّنا نفهم عليهن في هذه العصفوريّة الكلاميّة والتكتيكيّة والستراتيجيّة التي كثر فيها الآينشتاينيّون السّفسطائيّون وقلّ فيها "الجوهرجيّون" الصّامتون الذين يبنون الأوطان بمئات القراريط لا بمئات آلاف القتلى

فيليب سكاف
النهار 12062013